علماء يحاكون طريقة عمل النجوم والشمس لتوليد الطاقة
منذ قرون، يسعى العلماء إلى تطوير مجال توليد الطاقة، سعياً لتلبية احتياجات المجتمعات المتزايدة والمساهمة في التنمية المستدامة، من خلال استكشاف مصادر جديدة وتحسين التقنيات القائمة لاستخراج القوى الكامنة في الطبيعة وتحويلها إلى طاقة قيمة. وسعوا جاهدين لاكتشاف مصادر بديلة ومتجددة كالطاقة الشمسية والرياح والمائية، واستثمروا جهودهم في تحسين عمليات توليد الطاقة من خلال تطوير تقنيات أكثر فعالية وكفاءة.
وتمكن العلماء منذ خمسينيات القرن الماضي، من استغلال الطاقة النووية في مجال توليد الكهرباء. حيث استغلت تقنيات الأسلحة النووية لتستخدم في المفاعلات النووية التي تولّد حوالي 10% من إجمالي كهرباء العالم في الوقت الحاضر.
ورغم بدء دراسة الاندماج النووي في نفس الفترة، إلا أن توليد الطاقة من اندماج النووي – كما يحدث في الشمس والنجوم – بقي قريبًا من الحُلم على مرّ العقود السابقة.
واستمر الكثيرون من العلماء حتى ديسمبر الماضي في الاعتقاد بأن هذا الأمر يُعد مستحيلاً، نظرًا لأن جميع التجارب استهلكت كميات أكبر من الطاقة مما تم إنتاجها.
وحقق فريق من العلماء الأمريكيين في ديسمبر الماضي، إنجازاً تاريخياً بتحقيق نتائج إيجابية في مجال الاندماج النووي.
وأعاد هذا الفريق نفس التجربة وأزاح الستار عن إنجاز جديد حيث تم تحقيق نتائج إيجابية بلغت 3.15 ميجا جول، أي ما يعادل نحو 150% من الطاقة المستهلكة لبدء التفاعل البالغ 2.05 ميجا جول.
وفيما يتعلق بتجربة يوليو الماضي، أشار مطلعون على النتائج الأولية إلى تحقيق نتائج تفوقت على 3.5 ميجا جول، وهو مستوى طاقة يكفي لتشغيل مكواة لمدة تقريبية تصل إلى ساعة.
كيفية تحقيق الاندماج النووي
ويتم تحقيق الاندماج النووي من خلال تطبيق ضغط وحرارة على ذرات لنظيرين من عنصر الهيدروجين، وعادة ما يكون هذا النظير التريتيوم الذي يحمل نيوترونين إضافيين في نواته. أو النظير الديوتيريوم الذي يحتوي على نيوترون واحد في نواته.
ثم يتم تسخين هذه الذرات إلى درجات حرارة تفوق حرارة سطح الشمس بكثير، مما يؤدي إلى اندماج أنويتها الذرية لتكوين ذرات هيليوم وتوليد كميات ضخمة من الطاقة على شكل نيوترونات.
والجوانب المميزة لهذا النوع من الاندماج تكمن في عدم إنتاجه لأي انبعاثات من الكربون أو نفايات مشعة طويلة الأمد.
ومن الناحية النظرية، يُعَدُّ الاندماج النووي قادرًا على توفير الكهرباء لمنزلٍ صغير لمئات السنين من خلال كمية قليلة من وقود الهيدروجين.
ويحاكي هذا النهج العملية التي تحدث في النجوم، بما في ذلك الشمس، حيث يُستخدم الهيدروجين كوقود، وتولد الحرارة الهائلة نتيجة للضغط الكبير، مما يدفع نوى ذرات الهيدروجين للاندماج وتكوين الهيليوم وعناصر أخرى، مع إطلاق كميات هائلة من الطاقة في العملية.
وتُعرف الوسيلة الأكثر اسخداماً لتحقيق الاندماج النووي بمصطلح “الحصر المغناطيسي”. حيث يتم خلالها استغلال حقل مغناطيسي لتثبيت ذرات وقود الهيدروجين في موقعها، حتى يتم تسخينها إلى درجات حرارة فائقة.
ومع ذلك، استخدمت التجارب الأمريكية تقنية تُدعى “الحصر بالقصور الذاتي”، حيث يتم تنشيط عملية الاندماج عبر توجيه شعاع من الليزر ذو تركيز عالٍ نحو قطرة من وقود الهيدروجين، مما يؤدي إلى سخنها وانفجارها.
وعندما نقول أن الطاقة التي تم توليدها من هذا التفاعل تجاوزت الطاقة التي تم إدخالها إليه، فإننا نقصد أنها تجاوزت طاقة الليزر المستخدم في التجارب لتحقيق هذا التفاعل فحسب، وليس أنها تجاوزت إجمالي الطاقة المستهلكة لتشغيل نظام التفاعل بأكمله، حيث تكون تلك الطاقة أكبر بكثير.
ويُقدر العلماء أن الاندماج النووي يمكن أن يولد طاقة تصل من 30 إلى 100 مرة طاقة الليزر، مما يجعلها محورية من الناحية التجارية، ومع ذلك، لا يزال لدينا طريق طويل لنصل إلى تلك المرحلة.
ويجدر بالذكر أن المختبر الأمريكي لم يقم سوى بتنفيذ تفاعل الاندماج باستخدام الليزر مرة واحدة يومياً على الأكثر، في حين من المرجح أن تحتاج المحطة النووية للاندماج التجارية إلى تكرار عملية الإطلاق عدة مرات في الثانية.
تسارع التطور في مجال توليد الطاقة
وعلى الرغم من ذلك، فإن التطورات التي تم تحقيقها في المختبر خلال فترة قصيرة تشير إلى تسارع في معدل التطور في هذا المجال.
وعلى مرّ العقود السابقة، كان يُسود اعتقادٌ بأن تحقيق مجال توليد طاقة الاندماج النووي أمرٌ لا يُمكن تحقيقه أبدًا.
وكانت هناك حتى سخريةٌ متكررة في الأوساط تُعبّر عنها بالقول “طاقة الاندماج النووي دائمًا على بُعد 30 عامًا في المستقبل”، وهذا يعكس الوعود المُتكررة بقدوم هذه الطاقة بالتأكيد، دون أن يتحقق ذلك فعليًا.