أخبار مميزةالذكاء الاصطناعي

هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الإعلام أم يعزّزه؟

في عصر إحلال الآلة مكان الإنسان

مع تطور التكنولوجيا والبرمجيات والذكاء الاصطناعي، ووصولنا لعصر إحلال الآلة مكان الإنسان، تعمّ الحيرة والقلق في عالم الصحفيين؛ خوفًا من فقدان وظائفهم واستبدالهم ببرمجية أو روبوت، حيث أصبح مستقبل الإعلام بمختلف فنونه يخوض صراع وجودي مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

ومنذ أواخر القرن الماضي، أحدثت ثورة الإنترنت تغييرات جذرية في بنية التواصل الإنساني، الأمر الذي انعكس على العمل الإعلامي في مظاهره المهنية الاحترافية، وفي بنية مكوناته والعلاقات التي تجمع بينها، وهذا الأساس في تهديد مكانة الصحافة واحتمالية استبدالها بالصحافة الالكترونية.

ويهدف هذا المقال الذي أعده “المهندس تك” إلى بحث الآفاق التي تلوح للصحافة التقليدية ومستقبل الإعلام بالتهديد، ومعرفة سبيل النجاة، والمحافظة  على روح تقاليد التواصل الإعلامي في الوقت نفسه، فالوتيرة المتسارعة للرقمنة لا تدع مجالًا للتردد والتخلف عن الركب، في الوقت الذي تتوافر فيه المبررات والمقومات لإيجاد صحافة إلكترونية تنهض بأدوارها المستقبلية.

أين هو المستخدم من مستقبل الإعلام ؟

يتميز المستخدم الرقمي عن متلقي الإعلام التقليدي، بما يوفره له الذكاء الاصطناعي من فعالية في الوصول إلى المعرفة والتعاطي معها، مصحوبًا بعدة خصائص، إذ أصبح المستخدم الرقمي غير مضطر لتلقي ما توفَّر من محتوى، بسبب غزارة المحتوى الرقمي لدرجة تفوق قدرة المستخدم على التلقي بالكيفية التقليدية قراءة النصوص كاملة ومشاهدة البث الإذاعي والتلفزي لساعات، حيث يتسم المحتوى الرقمي بمرونة التلقي، التي تتكيف مع ظروف المستخدم.

وعلينا أن نأخذ في الاعتبار التحول المتزايد نحو الرقمنة، حيث إن الذكاء الاصطناعي لا يعد ترفاً تكنولوجياً، بل هو بل ضرورة وظيفية وبنيوية تقتضيها فعالية التواصل وسهولة الاستخدام، والمردودية الاقتصادية، ويتجه نحوها جماهير الإعلام، إذ تشير التقديرات لعام 2025 إلى احتمال وجود 50 مليار جهاز رقمي تستطيع جمع البيانات من حوالي خمسة مليارات مستخدم متصل بشبكة الإنترنت.

وقد حولت الرقمنة قرَّاء الصحافة، إلى مستخدمين يتعاطون مع الأجهزة الرقمية؛ من أجل تلقي المحتوى الإعلامي والتفاعل معه، وإثرائه من خلال ممارسة هواية صحافة المواطنة القائمة على استخدام التقنيات التي توفرها الأجهزة الرقمية الذكية بكيفية شعبية تجعلها في متناول العامة، وهذا ما أدى إلى إحداث تغيير في مفهوم التلقي القائم على السلبية أو التفاعل المحدود مع المحتوى الإعلامي.

مرونة المؤسسات الإعلامية

على صعيد الصحافة، أدمجت مؤسسات صحفية كبيرة كأسوشيتد برس، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ورويترز، الذكاء الاصطناعي في غرف أخبارها قبل سنوات.

وبشكل أساسي، فإن الذكاء الاصطناعي يحرر الصحفيين من المهام الروتينية، ما يسمح لهم بالتفرغ لإنتاج قصص أكثر عمقاً وإبداعاً.

وتستخدم مؤسسات إعلامية برامج تعلِم الصحفيين باتجاهات الأخبار، وأهم القصص المنتشرة، ومستوى التفاعل مع القصص المنشورة، حيث استخدمت بلومبيرغ برنامج “سايبورغ”، لشرح التقارير المالية وكتابة القصص الإخبارية الشاملة على الفور، بينما، نشرت ديلي ميرور وديلي إكسبرس مقالاتهما الأولى المكتوبة باستخدام الذكاء الاصطناعي في مارس/آذار الماضي.

وقد يتعدى ذلك، إلى عرض الأخبار عبر متحدث آلي، وقد أنشأت تطبيقات يمكن للمستخدم من خلالها إدخال النص، لاستعراضه عبر مذيع مطور عبر الذكاء الاصطناعي، أو حتى إنتاج صور فنية، وتحسين جودة الصور القديمة.

مستقبل الإعلام في صراع الوجود مع الذكاء الاصطناعي

ما الذي يتبقى لمستقبل الإعلام من وظائف؟

يجب العودة إلى حقيقة أن الذكاء الاصطناعي مستمد من الذكاء البشري الطبيعي وامتداد له، الأمر الذي يبيِّن أن الحاجة إلى العنصر البشري تظل قائمة وثابتة، وما يتغير هو المؤهلات المطلوبة والأدوار الجديدة التي يجب القيام بها، ذلك أنه مهما تم من استغناء عمَّن يقوم بعمل حلَّ محله الذكاء الاصطناعي، فلا يمكن الاستغناء عمَّن يطور هذه التكنولوجيا، أو يديرها ويرصد إيجابياتها وسلبياتها، ويتخذ بعض القرارات المهمة نيابة عنها، بسبب تعقيدات التواصل وارتباطه بالسياقات والبيئات الثقافية.

فيما يتوقع  الرئيس التنفيذي لمؤسسة صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف، الدكتور محمد عبد الظاهر، أن أكثر من 60 في المئة من المحتوى الإعلامي المنتج دوليا سوف يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في السنوات الخمس القادمة، وهو لا يؤثر بالضرورة على العمالة البشرية بل سيزيد من مهاراتها.

وعندما تحولت كافة الأجهزة المستخدمة في العمل الإعلامي رقمية، وكان معظمها أجهزة ذكية، وتوافرت البرمجيات التي تضع حلولًا لاحتياجات الإعلامي المهنية، وجب عليه أن يندمج في عوالم الرقمنة ويتعاطى مع تحديثاتها ويسهم في تطويرها  وبعد أن تحول أفراد الجمهور المتلقين للرسائل التواصلية الإعلامية إلى مستخدمين قادرين على التفاعل مع المحتوى وإنتاج محتوى يضاهيه، لابد للإعلامي أن يصبح أكثر معرفة ومهارة في توظيف الذكاء الاصطناعي توظيفًا فعالًا يجعل منه خبيرًا في مجاله وقادرًا على المواكبة المستقبلية.

ولا بد أن نعرف أن الذكاء الاصطناعي برز كمستودع غير محدود من للبيانات والمعلومات الواردة من ملايير المستخدمين، والتي لا يستطيع الصحافي أن يجاري تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التنقيب عنها، وثمة من يوسع دائرة انتفاع الصحافي من هذه التكنولوجيا المعاصرة، في سبيل مستقبل الإعلام الآمن، من خلال تدعيم الذكاء الاصطناعي لغرف الأخبار، كتسهيل سير العمل الإعلامي، من خلال مساعدة الصحافيين في التركيز على ما يتقنون عمله في التحرير، وأتمتة المهام العادية (التي لا تحتاج إلى قدرات إبداعية)، مثل تتبع آخر الأخبار ورصدها، استكشاف الرؤى الإعلامية من خلال إيجاد الروابط بين المعلومات المتفرقة، توليد الأخبار من المادة الخام.

ما المطلوب من عالم الصحافة؟

بعد هذا الحديث المختزل عن عالم الذكاء الاصطناعي المتشابك والمتمدد، أرى أن الإعلام التقليدي بما فيه الصحافة، مطلوب منه مواكبة التقنيات الجديدة، حيث تحتاج غرف الأخبار بالتلفزيونات والصحف مثلا إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير أعمالها، وتوفير جهود صحافيها المهدرة على أمور روتينية، لتقوم بها برامج ذكية متطورة.

وبما أن مصدر الذكاء الاصطناعي هو الذكاء البشري، فإن الحاجة إلى تعاونهما معًا تبقى قائمة، مثلما بقي التكامل بين الإنسان الآلة، أو على الأقل إشراف الإنسان على الآلة، قائمًا في كافة المجالات، بحيث يبقى التأثير السلبي على المهام الروتينية والمرتبطة بدقة التنفيذ.

هكذا يظل التعاون بين الصحافيين والذكاء الاصطناعي يسير جنبًا إلى جنب؛ من أجل محتوى إعلامي أكثر تطورًا، الأمر الذي يقتضي أن يتطور الصحافي في مجال تحسين مهاراته المتعلقة بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي، وتوظيفه توظيفًا فعالًا، فضلًا عن مهارات نقل المعلومات، حتى يكون مستقبل الإعلام مطمئناً.

اقرأ/ي المزيد:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى