الأجهزة الإلكترونية

تحوّل الطباعة الثلاثية الأبعاد إلى واقع ملموس | تطبيقات وإمكانيات متعددة

تعتبر التكنولوجيا وسيلة فعّالة لتسهيل حياتنا وتحسينها، ومع تقدم التكنولوجيا وتطورها، تظهر تقنيات جديدة تحمل معها إمكانات هائلة لتغيير عالمنا وتحسين حياتنا بشكل كبير. ومن بين هذه التقنيات، تبرز فكرة الطباعة الثلاثية الأبعاد التي تحظى بشعبية متزايدة في الآونة الأخيرة.

وفي السابق، كانت الطباعة ثنائية الأبعاد هي الطريقة الرئيسية لإنتاج الأشياء التي نستخدمها في حياتنا اليومية، مثل الكتب والمجلات والأوراق. ولكن مع تطور التكنولوجيا والتقدم في مجال الطباعة، ظهرت فكرة الطباعة الثلاثية الأبعاد التي تمكّن من إنتاج أشياء حقيقية بشكل مباشر، باستخدام مواد مثل البلاستيك والمعادن وغيرها.

وفي عالمنا الحالي، تتميز الطباعة الثلاثية الأبعاد بإمكانات هائلة في مجال التصميم والتصنيع، حيث يمكن استخدامها لإنتاج أشياء مختلفة، بدءًا من الأدوات المنزلية وحتى الأجزاء الطبية والمحركات وغيرها. كما أن لها استخدامات في مجالات مثل الهندسة المعمارية وصناعة السيارات والطيران.

ومن المثير للاهتمام أنها يمكن أن تسهم في حل بعض المشاكل الحالية في العالم، مثل قلة المواد الغذائية ونقص المأوى، حيث يمكن استخدامها لإنتاج مساكن وأجهزة لتحلية المياه وأدوات للزراعة وغيرها.

فكرة الطباعة الثلاثية الأبعاد

وفي الخمسينيات من القرن الماضي، ظهر وصف الطباعة الثلاثية الأبعاد للمرة الأولى في قصة خيال علمي، وأصبحت حقيقة واقعة في الثمانينيات، وتحولت إلى تقنية شائعة في القرن الحالي بعد أن زادت الدقة وتنوعت المواد المستخدمة.

واستمرت المبادئ الأساسية كما هي، فهي عملية تصنيع كائن مادي من تصميم رقمي أو نمذج، من خلال إضافة العديد من الطبقات المتعاقبة من المادة ودمجها وجعلها صلبة، أو هي عملية تحويل التصميم الرقمي أو النموذج إلى منتج حقيقي ملموس.

وقد تحدث هذه التقنية ثورة في العديد من مجالات الحياة اليومية، وقد تضع حداً للتصنيع التقليدي، وذلك بسبب اختلافها اختلافًا جذريًا عن أي تقنيات تصنيع تقليدية أخرى موجودة.

وأصبحت تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد، في متناول الأفراد والشركات الصغيرة، مما أتاح لها تجاوز مسألة كونها عملية لتصنيع النماذج الأولية، حيث كانت كلفة امتلاك طابعة ثلاثية الأبعاد في الثمانينيات تزيد على 300 ألف دولار (مليون دولار في الوقت الحالي).

تطور الطباعة الثلاثية الأبعاد

ظهرت أول براءة اختراع بارزة ترتبط بفكرة الطباعة الثلاثية الأبعاد عام 1981، حيث حملت عنوان “جهاز النماذج الأولية السريعة”، وفي عام عام 1984، صاغ تشاك هال مصطلح “الطباعة الحجرية المجسمة” (SLA) من خلال تقدمه بطلب للحصول على براءة اختراع مُنحت له عام 1986.

والمصطلح يعني إنشاء الأجسام الثلاثية الأبعاد، من خلال مادة سائلة تتماسك عند ملامستها ضوء الليزر.

ويعد مثلت “الطباعة الحجرية المجسمة” (SLA) الجيل الأول من تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد، والذي يستخدم على نطاق واسع في الوقت الحالي، لكنها لم تكن التقنية الوحيدة قيد التطوير في ذلك الوقت.

وفي عام 1987، سجل كارل ديكارد براءة اختراع لعملية “التلبيد الانتقائي بالليزر” (SLS)، وفي عام 1989، قدّم سكوت كرامب براءة اختراع لعملية “نمذجة الترسيب المنصهر” (FDM)، فيما ظهرت عمليتا وتقنيات أخرى في الطباعة الثلاثية الأبعاد خلال السنوات اللاحقة.

تطبيقات الطباعة الثلاثية الأبعاد

وتستفيد الكثير من الأسواق الصناعية من الطباعة الثلاثية الأبعاد، وذلك في مجالات منها:

السلع الاستهلاكية:

تساهم الطباعة الثلاثية الأبعاد بتسريع عملية إطلاق المنتجات الجديدة، عبر تصميمها وتطويرها واختبارها في فترة زمنية قصيرة، وطورت شركة “بيبسيكو” (PepsiCo) عام 2015، نماذج أولية لعلامتها التجارية “رافلز” (Ruffles)، حيث اختبرت النكهات والأحدام مع المستهلكين لتحديد النوع المفضل.

وتقدم التقنية إمكانية إنشاء منتجات مصممة خصيصاً لمتطلبات المستهلكين، مثل الأحذية المطبوعة بشكل ثلاثي الأبعاد، والتي لاقت رواج سريع بفضل تصميماتها وميزاتها القابلة للتخصيص.

وفي عام 2015، قدمت شركة “أديداس” (Adidas)، حذاءها المطبوع الأول المسمى “فيوتشر كرافت ثري دي” (Futurecraft 3D)، إضافة إلى أنها واصلت هذا النهج مع حذاء “فيوتشر كرافت فور دي” (Futurecraft 4D).

واستخدمت شركة “نايكي” (Nike) التقنية، لتصنيع حذاء كرة القدم للاعبي كرة القدم الأميركية.

الطب وطب الأسنان

في عام 2000، تمكن العلماء من طباعة كلية بشرية، بينما تم بدء طباعة أطراف صناعية عام 2008 دون الحاجة إلى أي تحميع إضافي، وفي عام 2021 حصلت عملية طباعة أول فك صناعي

ويمكن استخدام التقنية بتصنيع الجسور وتيجان الأسنان، حيث يتم انتاج معظم أدوات التقويم الشفافة حاليًا باستخدامها، وفي عام 2019 أنتجت شركة “إنفزلاين” (Invisalign) أكثر من نصف مليون قطعة فريدة يوميًا.

ويمكن استخدامها أيضاً لتحسين تصميمات وإنشاء الأجهزة الطبية، إضافة إلى إنشاء الأطراف الاصطناعية المخصصة، وأجهزة تقويم العظام.

النقل

ويعد قطاع النقل من أوائل القطاعات التي توجهت إلى تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد، لإنتاج قطع الغيار عند الطلب، والتطوير السريع للمنتجات.

ويمكن استخدام التقنية لإنتاج أجزاء خفيفة الوزن ومتينة ومعقدة، وفي عام 2020 أدخلت شركة “بورشه” (Porsche)، مفهومًا جديدًا لمقاعد السيارات الرياضية، يستفيد من الطباعة الثلاثية الأبعاد.

وفي عام 2018، حصلت شركة “فورد” (Ford) على جائزة لاستخدامها الطباعة الثلاثية الأبعاد للأدوات، حيث تستخدم التقنية لإنتاج العناصر لبعض طرازاتها من المركبات.

وأعلنت شركة “بورشه”، استخدام التقنية لإنتاج قطع غيار لسياراتها النادرة والكلاسيكية.

واستخدمت شركة “بي إم دبليو” (BMW)، التقنية لإنتاج تركيبات معدنية لطراز “آي 8 رودستر” (i8 Roadster).

الفضاء

استخدمت تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد في عدة مجالات مثل تصينع قطع غيار المركبات وتصنيع محركات الصواريخ، فهي تقدم للمهندس امكانية تصميم وابتكار أجزاء الصواريخ وتصنيعها في مدة زمنية أقصر.

ومنذ 30 عاما، تستخدم وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” (NASA)، التقنية لتصنيع النماذج الأولية السريعة البلاستيكية، قبل بناء الأجزاء المكلفة المعدنية.

ويتمحور مشروع “سينترهاب” (SinterHab)، حول قاعدة قمرية مبنية عبر الطباعة الثلاثية الأبعاد باستخدام الغبار القمري مادة أساسية.

الإنشاءات

ومنذ عام 1995، دخلت هذه التقنية ضمن الإنشاءات، بصفتها طريقة أقل تكلفة وأسرع للبناء بمزيد من الدقة والتعقيد والتكامل الوظيفي الأكبر مع تقليل النفايات.

وتستخدم التقنية بتصنيع مكونات البناء والمساكن والبنية التحتية المدنية والجسور والشعاب المرجانية الاصطناعية.

وأزيح الستار عن برج وفيلا يدمجان مكونات مطبوعة بشكل ثلاثي الأبعاد في عام 2015، وفي عام عام 2016 أعلنت إسبانيا عن جسر للمشاة مطبوع بتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد بطول 12 مترًا وعرض 1.75 مترًا.

الفن والتصميم والنحت

تستخدم التقنية في إنشاء نسخ طبق الأصل من المنحوتات القديمة والحديثة للدراسة عن كثب والتفاعل معها شخصيًا، وإعادة إنتاج الأعمال السابقة.

ونظم متحف “برادو” (Prado) معرضًا تضمن لوحات رسمها فنانون مشهورون مستخدمًا التقنية الثلاثية الأبعاد، بهدف السماح للمعاقين بصريًا بالشعور بهذه الأعمال.

ودخلت المتاحف هذا المجال، حيث نظم متحف “برادو” (Prado) معرضًا تضمن لوحات رسمها فنانون مشهورون مستخدمًا التقنية الثلاثية الأبعاد، وذلك بهدف السماح للمعاقين بصريًا بالشعور بهذه الأعمال.

وفي عام 2010، استخدمت التقنية في مجال التراث الثقافي، لأغراض الحفظ والترميم والنشر.

التعليم

أحدثت هذه التقنية، ثورة في الرياضيات والهندسة والتكنولوجيا وتعليم العلوم، تتيج للطلاب إنشاء نماذج أولية دون الحاجة إلى أدوات باهظة الثمن.

وتسمح للطلاق بإنتاج وتصميم النماذ، وتحويل الصور والأفكار إلى عنصر مادي، إضافة إلى المساعدة في استكشاف مبادئ التصميم والهندسة والتخطيط المعماري

ويقوم الطلاب بإعادة إنشاء نسخ مكررة من عناصر المتحف، مثل التحف التاريخية والحفريات للدراسة في الفصل الدراسي دون الإضرار بالمجموعات الحساسة.

الصناعات الغذائية

ارتبطت المحاولات الأولى لاستخدام هذه التقنية في هذا القطان بالحلوى والشكلاتة والبيتزا والمعكرونة والبسكويت، حيث تعد طريقة واعدة للحد من هدر الطعام، وتتيح للطهاة إعداد أطباق متنوعة من بقايا الطعام، باللإضافة إلى طباعة وجبات مغذية بأشكال تجذب الأطفال.

وتمزح شركة “أب برايتينغ فود” (Upprinting Food)، المكونات المختلفة من مخلفات الطعام، ثم تجمع بينها لإنتاج مواد مهروسة تُستخدم بعد ذلك كمواد للطباعة الثلاثية الأبعاد.

وتعتزم وكالة “ناسا” صنع طعام مصمم ليلائم الاحتياجات الغذائية لرائد الفضاء، مع صلاحية تخزين تصل إلى 30 عامًا.

تأثير الطباعة الثلاثية الأبعاد

وتقدم هذه التقنية سواء على المستوى المحلي أو الصناعي أو المحلي، عدة فوائد ومنها:

  • الاستدامة: تبرز التقنية كطريقة موفرة للطاقة عبر استخدامها ما يصل إلى 90% من المواد القياسية، وبالتالي: تقليل النفايات، إلى جانب طول العمر التشغيلي للمنتج الذي يكون ذا تصميم أخف وزنا وأقوى، ويفرض بصمة كربونية أقل مقارنة بالمنتجات المصنعة تقليديًا.
  • التعقيد: تسمح التقنية بمستويات من التعقيد لا يمكن إنتاجها فعليًا بأي طريقة أخرى، كما تكون المنتجات أخف وزنا وأقوى من سابقاتها.
  • أدوات أقل: تلغي التقنية الحاجة إلى إنتاج الأدوات بالنسبة للتصنيع المنخفض إلى متوسط الكمية، وبالتالي: تقليل التكاليف وتقصير المهل الزمنية وتخفيض العمالة المرتبطة بها، كما تتجنب متطلبات التجميع، مما يلغي العمالة والتكاليف المرتبطة بعمليات التجميع.
  • التخصيص: تسمح التقنية بالتخصيص الشامل وفقًا للاحتياجات والمتطلبات الفردية، حيث يمكن تصنيع العديد من المنتجات في نفس الوقت وفقًا لمتطلبات المستخدمين النهائيين، دون أي تكلفة عملية إضافية.

وفي عام 2020، بلغت القيمة في السوق العالمية لخدمات ومنتجات الطباعة الثلاثية الأبعاد، ما يقارب 12.6 مليار دولار، ويتوقع أن يتضاعف حجم السوق ثلاث مرات تقريبًا بين عامي 2020 و2026.

وتستخدم في عدة قطاعات منها صناعة السيارات والطيران والصناعة العسكرية والقطاع الطبي وصناعة الأغذية.

وتعد أبرز مشاكل هذه التقنية للمستخدمين العاديين هي التكاليف المرتفعة، حيث تمنع استخدامها بشكل أكبر، وتعد الجودة المنخفضة للأجزاء المطبوعة سببًا رئيسيًا آخر لعدم استخدامها بشكل أوسع في الوقت الحالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى